لماذا يصرّ المغاربة على الأضحية رغم قرارات المنع؟
في كل مرة يُطرح فيها موضوع منع ذبح الأضاحي في المغرب، سواء لأسباب صحية مثل انتشار الأمراض الحيوانية أو لأسباب بيئية واقتصادية، يبرز السؤال الجوهري: لماذا يصرّ عدد كبير من المغاربة على أداء هذه الشعيرة، حتى في وجه قرارات المنع؟
هذا الإصرار لا يُفهم بمعزل عن سياق ديني وثقافي واجتماعي متداخل. فالأضحية، في الوجدان المغربي، ليست مجرد ممارسة دينية موسمية، بل طقس جماعي عميق الجذور، له رمزية تتجاوز حدود "الذبح" إلى معاني أوسع تتصل بالهوية، والكرامة، والانتماء.
الدين أولاً.. ثم كل شيء
ينتمي المغاربة في غالبيتهم إلى المذهب المالكي، الذي يولي شعيرة الأضحية مكانة مهمة. ورغم أنها سنة مؤكدة وليست فرضًا، إلا أن الشعور العام يجعلها في مرتبة أقرب إلى "الواجب الأخلاقي"، خصوصًا عند أرباب الأسر. الامتناع عنها – بالنسبة للكثيرين – يُفهم كنوع من التقصير في حق العائلة، وربما حتى نقص في الإيمان أو الرجولة في المخيال الشعبي.
الأضحية... ذاكرة اجتماعية
ما من مناسبة تجمع الأسرة المغربية كما يفعل عيد الأضحى. فإلى جانب الطابع الديني، تترافق الأضحية مع طقوس عائلية أصيلة: "تشواط الريوس"، "الدوارة"، "بولفاف"، و"الكمونية"... إنها ليست فقط لحوماً تُذبح وتُطبخ، بل ذاكرة جماعية حيّة. التخلي عنها، ولو بشكل مؤقت، يُعتبر قطعاً لتقاليد راسخة تُعزز الروابط الأسرية.
ثقافة العناد... أو انعدام الثقة؟
عندما تصدر الدولة قرارًا بمنع الذبح، ولو مؤقتًا أو موضعيًا، يظهر العناد الشعبي كآلية دفاع. السبب ليس رفض النظام أو التشكيك في مؤسساته، وإنما فقدان الثقة أحيانًا في دوافع القرار. المواطن البسيط قد لا يفهم تعقيدات الأوبئة الحيوانية أو تدابير الصحة العمومية، لكنه يفهم أن "الأضحية دين، والدين لا يُمنع".
هذا الغموض أحيانًا، أو غياب تواصل فعال، يجعل فئة واسعة من الناس تتوجس وتعتقد أن المنع هو "تضييق على الدين"، لا تدبير ظرفي لحماية الصحة العامة.
عطلة استثنائية بمناسبة عيد الأضحى المبارك (بلاغ صحفي)
التحدي الاقتصادي والكرامة
الأمر الأكثر إثارة للإعجاب وربما القلق، هو أن فئة من الفقراء والمهمشين لا يتخلون عن الأضحية رغم ضيق الحال. الاقتراض، الاستدانة، وحتى بيع الممتلكات البسيطة، كلها وسائل يلجأ إليها البعض فقط لتوفير أضحية العيد. فالأمر ليس ترفًا، بل شعور عميق بأن "الأضحية تحفظ كرامة الأسرة". وهذا يفتح سؤالًا آخر: إلى أي حدّ يمكن أن تعوّض الدولة هذا العبء، أو توفر بدائل تحفظ جوهر الشعيرة دون أن ترهق الأسر؟
الإصرار المغربي على الأضحية ليس عنادًا فقط، بل نابع من عقيدة راسخة، وذاكرة جمعية، ومشاعر مرتبطة بالهوية والكرامة. وإذا أرادت الدولة أو المؤسسات الرسمية اتخاذ قرارات تمس هذه الشعيرة، فعليها أن تُراعي هذه الأبعاد، وتقدم تبريرات واضحة، وتطرح بدائل واقعية.
ففي النهاية، التدين المغربي ليس فقط التزامًا بالنص، بل أسلوب عيش متجذر في العائلة، والمائدة، والعيد.